فتحت إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري الباب أمام جميع الإحتمالات على المستوى الحكومي، لا سيما أنها لم تكن منسقة مع مختلف الأفرقاء الأساسيين، لا سيما مع أركان الحلف الرباعي الآخرين الذين وقفوا إلى جانبه مع بدء التحركات الشعبية في الشارع، أي "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" و"حركة أمل".
في الأيام الماضية، سعى الحريري، بعد إستقالة وزراء حزب "القوات اللبنانية"، إلى ركوب موجة الحراك الشعبي، على أمل أن يستفيد من ذلك في لعبة تحسين أوراق قوته، إنطلاقاً من طرح تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسته أو إجراء تعديل وزاري يضمن خروج وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل من الحكومة، على قاعدة أن ذلك سيكون له نتائج إيجابية في أوساط تيار "المستقبل" الشعبية، لكنه فشل في الوصول إلى ذلك، نتيجة رفض "التيار الوطني الحر" التضحية برئيسه، التي ستفسر هزيمة له بطريقة أو بأخرى.
إنطلاقاً من ذلك، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن رئيس الحكومة ظن أنه من خلال رمي ورقة الإستقالة في وجه حلفائه الجدد يستطيع جني الكثير من الأرباح، أبرزها الظهور في موقع الحريص على مطالب المتظاهرين والعودة إلى رئاسة الحكومة وفق معادلة جديدة، بعد أن بات في موقع العاجز عن القيام بأي خطوة، مع العلم أنه كان يرفض القيام بأي خطوة في إطار السعي إلى إعادة فتح الطرقات، وهو ما يفسر عدم تدخل قوى الأمن الداخلي التي تقع على عاتقها هذه المسؤولية بشكل أساسي.
من وجهة نظر هذه المصادر، المشهد الحالي يختصر بتكون تحالف عريض يطرح تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة الحريري، يضم إلى جانب "المستقبل" حزبي "القوات اللبنانية" و"التقدمي الإشتراكي"، عنوانه محلياً إخراج باسيل من الحكومة أما دولياً فهو إخراج "حزب الله" من الحكومة، وتلفت إلى أن التحالف سيتظهر أكثر في الساعات المقبلة، لا سيما مع إقتراب موعد الإستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف، لكنها تشير إلى أن القرار الحاسم لن يكون له.
في هذا الإطار، ترى المصادر نفسها أن الحريري رمى الكرة اليوم في ملعب "التيار الوطني الحر" و"حزب الله"، في سياق السعي إلى إخراج نفسه من الأزمة الراهنة أو على الأقل دائرة الإتهامات، ليحسم كل من الحزب والتيار موقفهما من خيار حكومة التكنوقراط، وهو ما يفسر عدم تنسيقه معهما في هذه الخطوة، وتوضح أن هذا الأمر سوف يعقد الأزمة بدل أن يقود إلى حل سريع، نظراً إلى أن "الوطني الحر" لن يقبل الذهاب إلى تشكيل حكومة تكتوقراط يكون رئيسها الحريري، بينما "المستقبل" يضع شرطاً أساسياً هو وجود شخصية سنية سياسية في رئاسة الحكومة، على قاعدة أن رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري سياسيان.
بالتزامن، ترى هذه المصادر أن الموقف المنتظر هو ذلك الذي سيعلن عنه "حزب الله"، في وقت قريب، نظراً إلى أن الحزب هو مستهدف أساسي من خيار حكومة التكنوقراط، في ظل سعي جهات إقليمية ودولية إلى إخراجه من الحكومة منذ أشهر طويلة، وبالتالي يجب إنتظار كيف سيتعامل مع خطوة الحريري، خصوصاً مع ظهور عدة مؤشرات توحي بأنها لم تأت من فراغ، بل نتيجة ضغوط خارجية فرضت عليه، الأمر الذي يفسر السعي إلى إظهار حاضنة شعبية لموقف رئيس الحكومة، بالرغم من أن جمهوره كان غائباً عن الواجهة طوال الأيام الماضية.
في المحصلة، إستقالة الحريري، غير المنسقة، قد تكون خطوة نحو المجهول، نظراً إلى أنها تفتح الباب أمام جميع الإحتمالات، التي ستتضح أكثر خلال الساعات أو الأيام القليلة المقبلة.